د.يحيى الرخاوى
د.يحيى الرخاوى |
أنا أحب لغتي العربية الفصحي حبا جما!، وأحب أيضا، وجدّا، لغتي العامية المصرية الجميلة، وحين أبحث عن كلمة مثل "الحزن" في أي معجم عربي أتعلم عن ظاهرة الحزن أكثر بكثير مما يصلني من التراجم من المراجع العلمية النفسية، ذلك لأنني أجد في معاجمنا نبضا وتاريخا وحركة تكشف الظاهرة البشرية بما ينير لي طريقي أثناء ممارستي مهنتي وأنا أتعرف علي الثقافة القائمة في جذورها العميقة، ثم إنِّي لم أستطع أن أكتب حتي حوار رواياتي وقصصي بالعامية مع استمرار عشقي لها، كما أنني تعرفت علي حضارة العرب مِن مَنْ ملك ناصية هذه اللغة من الشعر الجاهلي، إلي القرآن الكريم وما بعده، أكثر مما وصلتني من مزاعم المؤرخين المصفقين أو المشوِّهين، وأقرب مما يدعيه القوميون المعاصرون. هذه لغة عبقرية لا يمكن أن يخلّقها إلا وعي حضاري أصيل، نحن المعاصرين مسئولون عن اندثاره.
برغم كل ذلك فأنا أخاف من وصاية معاجمها المحيطة مهما كانت أصيلة ورائعة، لأنني أعتبر المعاجم ليست إلا علامة تاريخية جيدة علي مرحلة تطور لغةِ ما، وشعبٍ ما، وما لم تفتح المعاجم صدرها لاستقبال حيوية وحركية اللغة من الشعر والشارع (مقال الأسبوع الماضي) فإنها ستنقلب سجنا ليس للغة أهلها فحسب، بل لتطورهم أيضا، (تدخل اللغة الإنجليزية كل عام 450 كلمة جديدة، فكم كلمة تدخل عربيتنا الفصحي؟).
في تنافس شديد بين حبيبتي الفصحي، وعشيقتي العامية المصرية، كسبت الثانية بعض جولات شعري حتي اضطررت أن أعتذر لحبيبتي الفصحي في مقدمة ديواني بالعامية "أغوار النفس" الذي قمت بشرح متنه في مرجع إلكتروني في موقعي باسم "فقه العلاقات البشرية"، قلت في ذلك:
طَبْ وحَبيبْتِي؟.. راحَ اقولّها إيه؟
إِللي ما عمرها قالت لأ،.. ولا "مِشْ قادره"
ولا فيها شئ يتعايبْ: حلوهْْ، وغَنِـيّهْ، وبنت أصولْ!
معْلشِّي النُّوبهْ، المّرا دي سَمَاحْ.
أصل الَحُّدوَتةْ المّرا دِي كان كُلــَّـهاََ حِسّ،
والحِسْ طَلِعْ لِيِ بالعَامَّي بالبَلَدي الحِلْو، والقلم اسْتَعْجلْْ.
ما لحِقْشِي يتْرجمْ، لَتفوتُـه: أيُّهاَ هَمْسَةْ، أَو لَمْسَهْ، أو فَتْفُوتِة حِسّ.
معلشي النوبهْ.
وَاهِي لسَّهْ حَبِيْبتِي..،
حتَّي لَوْ ضُـرَّتْها غَاِزيّهْ، بِتْدُق صَاجَاتْ.
وبرغم فضل المعاجم علي تعرفي علي لغتي العربية العبقرية الأصيلة التي صالحتني علي حضارة العرب أكثر من جمال عبد الناصر، إلا أنني عانيت من وصايتها علي حركية اللغة وإحيائها بما يشمل تفسير القرآن الكريم.
رحت أصارع المعاجم - خاصة حين أكتب شعرا بالفصحي - بكل احترام لقيمة ما هو "متحف"- حتي صرّحت بذلك في قصيدة تقول:
يا ليتَ شعـْري لستُ شاعرَا:
لا أضرب الدفوفَ في مواكبِ الكلامْ،
ولا أدَغْدِغُ النغمْْْ.،
لا أنحتُُُ النقوشَ حولَ أطرافِ الجُـمَلْ، أو أطلبُ الرّضَا.
ولا أقولُ ما يقرّظُ الجمالَََ..، (يحتضرْ!)،
أو يُسكر الثوّار بالأمل.
-2-
تدقُّ بابي الكلمهْ، ..أصدّها.
تُغافل الوعْيَ القديمَِ، .. أنتفضْ.
أحاولُ الهربْ،
تلحقنُي، أكونُها، فأنسلخْْ.
-3-
أمضِي أغافلُُُ المعاجِمَ الجحافلْْْ،
بين المَخاض ِ والنحيبْ.
أطرحُنِي: بين الضياعِ وَالرُّؤَي،...،
بين النبيِّ والعدَمْ.
أخلـّـق الحياة أبتعثْْْ، أقولُني جديدا،
فتولًدُ القصيدةْ.
0 التعليقات:
Speak up your mind
Tell us what you're thinking... !