مر عامان على الثورة ومازال
الرجل عندما يذهب الى أي تظاهرة يرفع لافتته المكتوب عليها بخط منمق
وجميل : يسقط الرئيس محمد حسني مبارك .
رأيته أكثر من مرة في ميدان
التحرير ، وفي ميدان مصطفى محمود حيث يتجمع المتظاهرون ، ويمشي معهم رافعا
لافتته الورقية ، ويهتف معهم هتافهم ، بدون ملل أو كلل ، أراه في كل مرة
وقد هذب شعره ، غير متخليا عن رابطة عنقه وان كانت غير محكمة الربط حول
عنقه ، تجاوز الستين من السنين التي عاشها أو هكذا يبدو لي ، أقترب منه
وأحييه ، يبتسم في وجهي ، أعطه سجائر صاحبي ، ولا يرفض ، أحدثه ، فلايسمع
لي كلاما ويبتعد ، إلا هذه المرة ، أطفأ سيجارته ، كأنه أراد أن يكتفي بما
يستنشقه من غازات مسيلة لدموع لا تدمع .
قلت له : لماذا هذه اليافطة وقد رحل الرئيس ؟
قال : ومن قال لك أنه رحل ؟
قلت : أنا الذي أقول ذلك
فقال : أنت لاتفهم ،
غضبت ولم يهتم لغضبي .
أكمل
كلامه وقال : الذي لاتعرفه أنه بسبعة أرواح ، عرفناه في المرة الأولى
بإسمه الحقيقي ، وفي المرة الثانية إرتدى الزي العسكري وإن زاد طولا ،
وفي المرة الثالثة أطلق لحيته قليلا وإرتدى نظارة طبية لزوم التخفي
والتنكر . إنه محمد الذي أعرفه جيدا ألم أقل لك أنك لاتفهم .
قلت له منصتا لصوت الهتاف في الميدان : إنهم يهتفون بسقوط المرشد وليس بسقوط الرئيس
إبتسم
إبتسامة خفيفة علقت بوجهه فأزاحت ثنيات الجلد ، وأخبرتنا عن وجه حليق
.وقال : في الحكم الأول سلم أمره للعسكر ، لذا خرجت الجماهير تهتف بسقوط
العسكر ، وفي الولاية الثانية لحكمه سلم ذقنه للمرشد ، فخرجت الجماهير
تهتف بسقوط المرشد
كنت
أمشي معه إذا مشى ، وأقف إذا وقف ، كان لايترك مكانا في الميدان إلا وذهب
إليه ، لم تتعب يداه المرفوعة لأعلى لحظة ، وإذا أرادها أن تستريح فيده
الأخرى موجودة وجاهزة لرفع اللافتة .
قال
لي ونحن نركن ظهرينا على السور الحديدي للجامعة الأمريكية وقوفا : إذا
كنت تريد أن تعرف إذا كان محمد حسني مبارك قد رحل أم مازال باقيا في الحكم ،
أنظر في وجوه المعتصمين جيدا هل رأيتهم من قبل ؟
قلت دون تفكير لمعرفتي بهم : نعم .
قال : متى ؟
قلت : في 25 يناير 2011
قال : ألم أقل لك أنه لم يرحل ، وإلا ماجاء هؤلاء إلى هنا .
قلت : ولكن الذي جاء إلى الحكم كان يقف معنا هنا ، كان يقول نفس كلامنا ، يأكل مما نأكل ، ويشرب مما نشرب ، إنتظر .. وكنا
نصلي معه ، ويقول قال الله وقال الرسول .
قال الرجل : ألم أقل لك أنك لا تفهم ، يابني هل ترتدي هذا الزي كل يوم ، كل يوم ؟
قلت : لا
قال : محمد حسني مبارك يغير ملابسه كل يوم .
وعندما إبتعدنا عن مصدر الغاز المسيل للدموع أشعل سيجارته وقال : سأسهل عليك الأمر ، الثعبان هل يغير جلده ؟
قلت : نعم
قال : ولكنه يبقى كما هو ثعبانا ، وليس حيوانا آخر
كنت بلا لافتة أرفعها لأعلى ، قلت : هل توافق أن تعطني لافتتك أرفعها بضع من الوقت .
قال مبتعدا عني بخطوات كثيرة : لا إبحث عن لافتة تليق بك .
وابتعد كثيرا عني وهو يهتف بصوته الجهوري : "يسقط يسقط حسني مبارك" .
0 التعليقات:
Speak up your mind
Tell us what you're thinking... !